مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث هو مؤسسة بحثية يهدف إلى تحقيق مفهوم جديد للتربية؛ يتلاءم مع الانفجار المعرفي والثورة العلمية والتقنية التي نعيشها؛ للنهوض بالبحوث العملية والأساسية والتطبيقية بالتنسيق مع الجهات المختصة، وتدريب القدرات البحثية، وتقديم الاستشارات للمؤسسات والأفراد عن بعد؛ وللمركز في سبيل تحقيق أهدافه.
ملخص الدراسة:
دور الفروض الكفائية في تحقيق التنمية المستدامة (رؤية إسلامية)
بنى الباحث دراسته على ستة أبواب ومدخل اندرج تحتها عدد من الفصول والمباحث وعلى النحو التالي:
ففيما يتعلق بمدخل الدراسة، فقد قام الباحث بتعريف الفروض من الناحية اللغوية والشرعية، وقد تركَّز جهده على تعريف الفروض الكفائية لكونها صُلب الدراسة، وخلص من خلال التعريفات المتنوعة إلى أن الفروض الكفائية: فروض مُلْزِمَة مُتَحَتِمَة، مطالب بها عموم الأمة، ويقوم بها من له أهليَّة القيام بها، كافياً بذلك عن الأمة أمراً من أمورها، وساداً لثغرة من الثغرات التي تهمها، وأن يكون القيام بها على الوجه الأكمل، والأمة مطالبة بالقيام بفروض الكفاية إما بمباشرتها، أو بإقامة من يقوم بها من بين أفرادها، حتى لا تتعطل وتضيع مصالح المسلمين بضياع هذه الفروض، وأن إقامة الأمة لفروض الكفاية لا يُسقِط عنها الإثم فقط، بل ويسقط عنها التخلف والتبعية للآخر، مع إعادة الأمة للقيام بدورها في الشهود الحضاري، والاضطلاع بأعباء الاستخلاف الإنساني.
وفي الباب الأول من الدراسة :(كيفية إحياء الفروض الكفائية ) ذكر الباحث الأسباب التي أدت إلى غياب الفروض الكفائية في الحياة الإسلامية، وهي أسباب متعددة ومتداخلة، ولا يمكن رد غياب الفروض الكفائية إلى إحداها، بل إليها مجتمعة، وإن كان لكل سبب نسبة تقلُّ أو تكثر في تأثيره، وأن الفروض بشكل عام (عينية أو كفائية) لها دورها في حياة المسلمين، وفي إصلاح شأن الفرد، وإصلاح شأن الأمة، وإن كانت عملية التكامل والانسجام بين هذه الفروض (عينية أو كفائية) سبيل إلى تفعيل دورها ومكانتها في الأمة، وأن الخلل أو التقصير في إحداها ينعكس بالمقابل خللاً وتقصيراً في الأخرى.
وبناءً على ما سبق فإن إحياء الفروض الكفائية يتطلب إحياءها في ضمير الأمة ووعيها، مع التخطيط لكيفية أدائها في حياة الأمة، لتعود للعمل في ميدان الأحياء، بدل أن تبقى في ميدان الأموات والمقابر.
وفي الباب الثاني: (الفروض الكفائية سبيل الاكتفاء الذاتي)، أكَّد الباحث على ضرورة توسيع مساحة التدين الصحيح، والفقه والفكر الصائبين لهذا الدين، وذلك من خلال طرح النصوص الشرعية والاجتهادات المنبثقة عنها، والمنطلقة من روح الدين الإسلامي ومقاصده العامة، ليتراجع بذلك الفهم الأعوج والتدين المنقوص، الذي همَّش الفروض الكفائية، وأخرج إنساناً مشوَّهاً لا يمكن اعتباره ابناً حقيقياً للرؤية الإسلامية الصافية، بل إنساناً مجسِداً لصورة (الناسك السلبي) الذي يقف موقفاً سلبياً من وقائع الاجتماع البشري الجارية حوله، فهو المنسحب من الحياة، والعاجز عن العمل، والخانع أمام الظلمة، والقانع بالفاقة والقهر والاستغلال. وعليه فإن الفروض الكفائية هي السبيل للاكتفاء الذاتي في جميع المجالات، إذا ما استطاعت الأمة أن تكون في مستوى إسلامها فهماً وفقهاً وعملاً، وأن تكون ــ أيضا ــ في مستوى تصحيح الفهوم الخاطئة والقاصرة والمعوجَّة لهذا الدين لدى أبنائها، فتسد ثغراتها الداخلية بإقامتها للفروض الكفائية فتكون مكتفية ذاتياً، وهي بهذا ـــ أيضاً ــــ تسد الفراغ الذي يستدعي (الآخر)، فتحفظ نفسها داخلياً وخارجياً.
أما الباب الثالث: (إحياء الفروض الكفائية سبيلٌ إلى إحياء مؤسسات المجتمع)، فقد تناول فيه الباحث تعريف المجتمع والدولة والأمة، وضرورة قيام هذه الكيانات لتؤدي دورها في إعادة الشهود الحضاري لأمة الإسلام، كما أكَّد على أن إدراك أبعاد الفروض الكفائية وبناءها كمشروع أمة يتطلب وعياً وإرادة على مستوى جماعي هذا من جانب، وعلى تعاون واستشعار للمسؤولية التضامنية، وتنمية للحس الاجتماعي، وبناء لشبكة العلاقات الاجتماعية من جانب آخر، الذي يؤدي بدوره إلى قيام الفروض الكفائية على سُوقِها، فتبنى مؤسسات المجتمع لتصبح (أوعية) تتفاعل بداخلها جميع طاقات الأمة، في جميع المجالات، وفي مختلف التخصصات، فهذه مؤسسة المجتمع الاقتصادية، وهذه مؤسسة المجتمع الاجتماعية، وهذه مؤسسة المجتمع السياسية، ... وهكذا بقية مؤسسات المجتمع التي أعادت إليها الفروض الكفائية الحياة.
أما الباب الرابع: (الأسس والأبعاد النفسية والفكرية للفروض الكفائية)، فقد ذكر فيه الباحث علاقة الفروض الكفائية بتنوع القدرات والقابليات الإنسانية وتقسيم العمل، وأن الذات البشرية لا تنمو ولا تتفتح، ولا تُظهِر جميع أبعادها النفسية والفكرية إلا باعتناقها وتجسيدها لقيم إنسانية مطلقة، مرتبطة بالجماعة (كالحب، والتضحية، وإنكار الذات، واحترام الإنسان)، وتهتم بدرجة أكبر بإحداث تراكم معنوي يتجاوز قانون التراكم المادي، وترتبط من ناحية أخرى بالجماعة على شكل انتماء (عضوي)، تندمج فيها وتدافع عنها وتسعى إلى تقدمها وتجددها، وهذا الدور تنهض به الفروض الكفائية، التي تسعى إلى تمكين كل من له أهلية للقيام بعمله الذي يتقنه، فتضع ( الرجل المناسب في المكان المناسب)، وعلى ضوء هذا يصبح الفرد الذي يذهب للخير العام يعتقد أنه يذهب من أجل مصلحته الخاصة، ولا شيء يغري ــــ نفسياً وفكرياً ـــ بالنجاح كالنجاح نفسه، وعندما يجد الإنسان نفسه في العمل سيُحوِّل هذا العمل إلى مشروع حياة، يخدم به أمته ضمن مشروعها الكبير.
والباب الخامس: (غياب فقه الأولويات)، تطرق فيه الباحث إلى أن فروض الكفاية تضع الأمة على الطريق الصحيح لفقه الأولويات، فشمولها لجميع المجالات وكافة الميادين، واتساعها لاستيعاب جميع التخصصات والمواهب، يُمكِّنها من وضع الخطط الاستراتيجية للنهوض بالأمة في جميع الجوانب، فالمجالات والميادين القاصرة والناقصة تُكَمَّل، والمجالات والميادين المختلَّة والخاطئة تُصلَّح وتُصوَّب، والمجالات والميادين الغائبة توجَد، والثغرات المفتوحة في جسم الأمة يفرز لها من أهل الكفاءة ما يكفيها ويسدها، والفراغات التي تستدعي (الآخر) يرابِط فيها أهلها، فيصبح كل فرد في الأمة على ثغرة يرد بها عن المسلمين أي تسلل للنيل من كرامة الأمة وسيادتها، كما ينوب عنه الآخرون في الثغور الأخرى، وتصبح كل طاقات الأمة مُفعَّلة، فيدٌ تبني، ويدٌ تحمي .
الباب السادس: (الرؤية المستقبلية لكيفية إحياء فروض الكفاية)، فقد أكَّد فيه الباحث على أن الخطوة الأولى في الطريق الصحيح، هي تحوُّل الفروض الكفائية إلى فروض عينية تستوعب جميع المجالات والميادين، ويقوم بها الأكفاء في كل مجال، وفي كل ميدان، وبما يوصل إلى حد الكفاية، والمسلمون في هذا مطالبون بإيجاد هيئات ومنظمات ومؤسسات ومراكز دراسات وأبحاث ... كفروض كفائية أولية تُحضِّرُ وتُعِدُّ وتُهيءُ أرضية صالحة للقيام بالفروض الكفائية التي تنهض بالأمة، وتعيد لها مكانتها. ويُكْتَبُ النجاح لتجربة الفروض الكفائية إذا تم تقديم (أهل الحل والعقد) لكل مجال من مجالاتها، وكل ميدان من ميادينها، فيصبح لكل مجال أو ميدان (أهل حلِّه وعقده)، ويقدم في كل مجال الأكْفَاء، وأصحاب الأهلية والاختصاص في هذا المجال، بعيداً عن تقديم (أهل الولاء والثقة) على (أهل الكفاءة والاختصاص)، وبهذا يُبنى (أهل الحل والعقد) في ضوء القضايا المطروحة، آخذين في الاعتبار الاستهداء بالتجربة الإسلامية التي تُشدِّدُ على ثبات القيمة، وتحث على تغيير الوسيلة والآلية، لتتناسب مع واقع الناس وأحوالهم، فأمَّة الإسلام بحاجة إلى إقامة (أحلاف فضول) لنصرة المظلومين، وإلى (مؤاخاة بين مهاجرين وأنصار) لتوثيق وشائج الأخوة بين المؤمنين، وإلى (وثيقة مدينة) تعزز فيها الجانب القانوني للحقوق والحريات، وإلى (صلح حديبية) يمكِّنُ للمسلمين، ويستشرفون من خلاله آفاق المستقبل، وإلى (تكافل أشعري) يرسخ روح التعاون والتكافل والتضامن بين المسلمين، وإلى ...إلخ، وفي كل ما سبق وما يمكن أن يستجد، تبقى القيمة الإسلامية ثابتة، وتتغير الوسيلة بتغير الزمان والمكان والحال، وبما يتناسب مع كل قضية مطروحة، مع ترسيخ لوظيفتي العون والنصح كفرض كفائي مطالب به الجميع دون استثناء، للدفع بفروض الكفاية إلى الأمام، لتبني وتحمي دين المسلمين ودنياهم.
النتائج والتوصيات
أولاً- النتائج:
من خلال ما استعرضه الباحث على صفحات بحثه، توصل إلى عدد من النتائج والتوصيات، ولا يعني أن ما سيورده الباحث هنا هي كل النتائج والتوصيات، وإنما أبرزها، وعلى النحو الآتي:
· أعطى الشارع أهمية كبرى للفروض الكفائية فلم يكلِّف شخصاً بعينه القيام بها، بل علَّق التكليف بالأمة جميعاً، لتكون هي المسؤولة عن ذلك، ومقصد الشارع منها حماية المصالح العامة للأمة، من جلب مصلحة ودرء مفسدة، والتقصير فيها يؤدي إلى ضياع المصالح العامة، مما يضر بالمؤسسات المجتمعية للأمة الوسط، الشاهدة على الناس، وإن مجالات الفروض الكفائية بحر لا ساحل له، يطول كل المناحي الحيوية، فخطأ أن يحصر ويقصر على الجهاد أو أحكام الجنازات، كما هو شائع ذائع، فإحداث إنماء شامل للأمة، بما يكفل لها تحقيق الاكتفاء الذاتي المستوجب لعزها وقوتها: فرض على الأمة جمعاء، والتكليف به يجري على سنن فروض الكفايات، فيتوزع بين أفراد الأمة على حسب القدرات والمؤهلات.
· فكرة الفروض الكفائية تتلخص في تجنيد مختلف الطاقات، وتوجيهها لخدمة مصالح الأمة، من منطلق الشعور بالمسؤولية والقيام بالواجبات، وجوهر الفكرة، يقوم على شعور الفرد بمسؤولية الوفاء بفرض الكفاية الذي صار بالنسبة له فرض عين، فيُعد له العدة، ويستنفر له طاقته، التي لم يكن ليشعر بامتلاكها، قبل شعوره بالتكليف الملقى عليه، وهذا هو الذي تحتاجه أمتنا، حتى يتحول إنسانها إلى إنسان فاعل، يحس بدوره، ويرى هدفه، ويسعى إليه.
· بإعادة تفعيل الفروض الكفائية وتجسيدها في مصالح الأمة إلى مكانها الصحيح، كفرض واجب على كل إنسان، يحقق مصالح الفرد والجماعة، ونكون قد وضعنا أقدامنا على أول طريق الانطلاق، وبخاصة وأن أمتنا تمتلك كل مقومات الانطلاق، فهي تملك الموارد المادية، لكنها مهدرة، وتمتلك الموارد البشرية، لكنها معطلة، كما تمتلك الفوائض المالية، ولكنها كامنة أو مهاجرة. وبعث الفروض الكفائية، كفيل بتغيير أوضاع أمتنا، فالفروض الكفائية كفيلة بإنقاذ المهدور من الموارد المادية، وكفيلة بتشغيل المعطَّل من الموارد البشرية، وكفيلة بظهور الكامن من الفوائض المالية، وعودة المهاجر منها، فتصبح الأمة معتمدة على نفسها، وقائمة على أمر نفسها، لا تتبع (الآخر)، ولا تدور في فلكه.
· إن تمحور حركة أفراد الأمة حول الفروض الكفائية، كفيل ببعث تيار التنمية المستدامة، وإعطائه مدداً لا يتوقف، حتى تصل أمة الإسلام إلى أعلى درجات التقدم المادي والمعنوي، والذي ينقصنا اليوم، ليس إلا المنهج الفعال، والأساليب والآليات المبتكرة.
· إن الأعمال باختلاف مراتبها فروض كفاية، يجب على الأمة جميعها أن توفر لها العاملين باختلاف تخصصاتهم، وعلى هؤلاء المؤهلين أن يؤدوا واجبهم، ويتقنوا أداء وظائفهم المناطة بهم، فإن لم يُعَدَّ القادرون الأكفاء في كل مجالات العمل، تأثم الأمة جميعها، أما إن أوجدت وهيَّأت لهم الظروف وكان التقصير منهم فلم يؤدوا عملهم، اختصوا هم بالوزر، كلٌ مسؤولٌ على عمله ومجاله، وليس معنى هذا أن تتخلى الأمة عن مسؤولياتها، بحجة أن التقصير والإثم يقع على من كلفتهم، بل الأمر يعود إليها لتقيم هذا الفرض الكفائي بهؤلاء الذين كلفوا وقصَّروا، أو بغيرهم إذا استدعى الأمر، فالفرض الكفائي لابد أن يقام مهما كان الأمر.
· ساد فهم لدى كثير من العقليات الدينية بأن المسؤولية عن الفروض الكفائية تنتهي بمجرد تحمل شخص أو فئة لها، دون أن يشعروا بمسؤولية المتابعة التي تتمثل في حمل القادر أو المتعيِّن عليه الفرض الكفائي، وأن يصل أداؤه في ذلك إلى درجة الكفاية ... هذا الفهم، أدى إلى أن تَقْصُرَ هِمَمُنَا عن إنشاء وإحداث مؤسسات الرصد والرقابة، ثم الاحتساب والنقد المجتمعي كامتداد لمسؤوليات الفروض الكفائية.
·كلا النوعين من الفروض الكفائية ـــ الدينية والدنيوية أو الشرعية وغير الشرعية ـــ مطلوبة طلب الفرض، والاكتفاء بنازع الطبع قد يجدي نفعاً في واقع بسيط كالحال في العصور المتقدمة، أم في واقعنا الراهن الذي اتسعت مجالاته، وتشابكت صوره، ومع التطور المشهود في مختلف المناحي الحيوية، لا يستقيم ترك إقامة الفروض الكفائية وتنظيمها لنوازع الطباع، بل لا بد من توزيع للمسؤوليات على حسب اختلاف المؤهلات والقدرات، وفقاً لدراسات إحصائية تجمع بين الحاجة العامة للأمة وما تحويه من طاقات وفعاليات مع توزيع ذلك على شتى المجالات التنموية لتحقيق الازدهار والرقي للأمة .
· أن غاية الفروض الكفائية تحقيق المصالح العامة للأمة، فلذا وجدناها تكفل تحقيق المصالح الضرورية، التي يترتب عليها إقامة أحوال الدنيا وأهلها، وهذه المصالح الضرورية تنتظم المجالات التنموية جميعها، فبالإقامة الحقيقية لفروض الكفايات تتحقق التنمية الشاملة المستدامة للأمة، بما يكفل اكتفاءها الذاتي، الذي يؤهلها للاقتدار على أداء الوظيفة الرسالية السامية التي أُنيطت بها، من الاستخلاف وعمارة الأرض، وتحقيق الشهود الحضاري.
· من الخطأ أن يُظن أن التكليف بالفرض الكفائي متجه إلى البعض فقط، بل تقع المسؤولية في إقامة فروض الكفايات على الأمة جميعها، تتقسط بحسب اختلاف الكفاءات والقدرات والتخصصات، بما يحدد توزيع المسؤوليات، كما أن هناك امتداد للفرض الكفائي تفسر توجه الخطاب بها ابتداءً لجميع الأمة ـــ ممثلة في مؤسساتها المختلفة وآحاد أفرادها ـــ وهي مساندة وإعانة المباشرين لفروض الكفايات، وكذا متابعة أدائها، وتقويم ما فيها من أود واعوجاج: لأجل تحقيق الكفاية في جميع المجالات التنموية، التي تتوخى تحقيق الاكتفاء الذاتي للأمة الإسلامية الكفيل باسترجاع سيادتها.
· إن من أهم الفروض الكفائية والتي لها تعلق بجميع أبواب الشريعة، كما أنها وسيلة لحفظ الكليات الخمس الضرورية جميعها، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا الأصل العظيم الذي يعد شرطاً أساسياً لخلود الشريعة، واستدامة أحكامها شرعة في كل زمان ومكان، ولا يُقصر على الشرعيات وحسب، بل المجال فيه رحب فسيح، فيدخل فيه إنشاء مؤسسات المتابعة والتقويم من منظمات ونقابات وهيئات وأندية، تسهر على متابعة إقامة الفروض الكفائية في المجالات التنموية المختلفة، فهذا عين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تحتاجه الأمة في واقعنا المعاصر.
ثانياً: التوصيات:
· أنه يتوجب على أهل العلم والدعاة نشر الوعي الحقيقي بين أفراد الأمة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول الفروض الكفائية، وذلك لأهمية هذه الفروض واتساع مجالاتها، وإشعارهم بمسؤوليتهم الجماعية التضامنية لإقامة هذه الفروض الهامة، التي تنتظم جميع مصالح الأمة الحيوية العامة، حتى يتفانى الجميع في إقامتها، والسعي لإدراك مقاصدها ومصالحها، فتكون بذلك جهود أفراد الأمة على تواعد وتلاق في سبيل الارتقاء بحضارة الأمة، وضمان قوتها، لتحقيق غاية ربها الذي استخلفها في عمارة الكون.
· لابد من المراجعة للفكر الذي أفرز الكثير من الفهم السلبي للفروض الكفائية، ومن ثم العمل على فهم الأبعاد الحقيقية لهذه الفروض الكفائية وعلاقتها بالنهوض والتقدم والشهود الحضاري، بحيث يصبح الاهتمام بها تديناً، وإنزالها في الواقع من أفضل القربات إلى I Qفي هذا العصر، لأنه يكون سبباً في إخراج الأمة من الحالة المأساوية التي لا تحسد عليها.
· منهج الإسلام الذي عُرف بالاستقراء، يُجمل في الأمور التي تتغير بتغير البيئات والأزمان، ويفصِّل في الأمور التي لا تتغير كثيراً، ورغم اهتمامه بكلا الأمرين إلا أنه يسعى إلى تكوين بيئة عمل وإنجاز، تتضمن الشروط والمواصفات كافة التي تمكنها من العطاء، وهذا المنهج الإسلامي يعطي العلماء والمفكرين والمجتهدين سعة كبيرة في استحداث وسائل وآليات لتفعيل الفروض الكفائية، في ضوء الثوابت الإسلامية الحاكمة.
· البحث في جميع المجالات والميادين في الفروض الكفائية شيء طيب، ولكنه لن يعطي كل مجال وميدان حقه من العمق والتفصيل، مع اقتراح للآليات والوسائل في هذا المجال أو ذاك الميدان، ومطلوب وجود بحوث للفروض الكفائية السياسية، وكذا بحوث في الفروض الكفائية التربوية، وبحوث في الفروض الكفائية الإعلامية، ... وهكذا، وبذلك يُبنى لكل مجال وميدان تصور لكيفية القيام بفروض الكفاية فيه، مع التناغم والانسجام مع المجالات والميادين الأخرى، في ضوء رؤية شمولية، تستهدف التنمية المستدامة في كافة المجالات والميادين، لتعيد للأمة مكانتها، وتنهض بها حضارياً.
· إقامة محاضن مهمتها الإعداد والتهيئة والتوجيه لإقامة الفروض الكفائية، وإذا كان هذا مُطالب من الأمة كلها، إلا أنه أكثر تأكيداً في حق الحركات الإسلامية العاملة، والتي تستطيع أن تقوم بهذا الدور، فتحقق الهدف الذي تسعى إليه وهو استعادة الأمة لمكانتها الحضارية، وبالمقابل توزع جهود وقدرات وإمكانات وكفاءات أعضائها على كافة التخصصات والمجالات والميادين التي تستوعبها فروض الكفاية.
· من الخطوات المهمة والملحة في جانب الفروض الكفائية إعداد إحصاءات دقيقة من واقع الأمة، يتم فيه إحصاء الميادين والمجالات والتخصصات، وكذا إحصاء القدرات والكفاءات والإمكانيات التي تمتلكها الأمة، حتى تتمكن من توزيعها وتقسيمها بشكل متوازن وشامل على جميع المجالات، والأمة بهذا تسد ثغراتها، وتنهض بتنميتها المستدامة، وأيضاً تستفيد من جميع طاقات وقدرات أبناءها وتفعِّلَها.
· تضمين المناهج التعليمية مفاهيم فروض العين وفروض الكفاية، وبيان أهميتها ومكانتها، حتى يتمكن الناشئة من فقه هذه الفروض في مرحلة مبكرة، فتأخذ مكانها اللائق بها من خلال تخصصات هؤلاء الناشئة في المستقبل، كي تخرج الأمة من حالة الغياب الحضاري بإقامتها للفروض الكفائية في حياتها، بدل بقائها عاملة في أمواتها فقط. وإذا كان تجهيز الموتى من فروض الكفايات فحفظ مهج الأحياء وتدارك حشاشة الفقراء أتم وأهم.
والله ولي الهداية والتوفيق...الجمهورية اليمنية، مدينة عمران 1/10/2020